السؤال : متى يُمسك الصائم، وما توجيه حديث: (إذا أذَّن المؤذن والإناء في يد أحدكم فلا يضعه حتى يقضي حاجته)؟
الجواب :
متى يُمسك الصائم؟ هذا سؤال مهم، لأن بعض الناس يسمع أذان الفجر الثاني وهو لا يزال يأكل ويشرب، معنى هذا أن صومه باطل، وعليه القضاء، لقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (إن بلالاً يؤذن بليل -وهذا هو الأذان الأول- قال: فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) فإنه لا يؤذن حتى يُقال له أصبحت؛ لأنه رجل أعمى فيحتاج إلى إنسان يُنبهه، يقول الآن دخل وقت الصلاة، بزغ الفجر الصادق، فَيُؤذن، فأنت تُمسك، كما قال الله -عزَّوجل-: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» فالصيام له بداية وله نهاية، وهذا هو الحد الشرعي بين زمن الحِل وزمن الحُرمة، فما يجوز للصائم إذا سمع أذان الفجر الثاني أن يشرب ولو جُرعة من الماء، إلا إذا كان من أهل الخبرة بالمواقيت، عنده خبرة عالية بالمواقيت، وهذا نادر في الناس، أكثر الناس ما عندهم خبرة عالية بالمواقيت، ثم هو في داخل بيته أين هو من النظر إلى الأُفُق (الأُفُق الشرقي) الذي يميز فيه بين الفجر الصادق والفجر الكاذب، هو داخل بيته مع وجود الكهرباء، فما دام أنك ما عندك خبرة عالية بفهم المواقيت إذاً تأخذ بشهادة المؤذن، والمؤذن مؤتمن، أمانة في عُنقه، ما يقول ”الله أكبر“ بالفجر الثاني إلا وقد دخل الفجر الثاني، وما يقول”الله أكبر“ بالمغرب إلا وقد غرب القرص، هذه أمانة في عُنقه، لا بُد يتحرى من عدة جهات، ويكون عنده اتصال بجواله على ناس في القرى يشاهدون الشفق، ويشاهدون قرص الشمس، ويُتابع، لا يعتمد على التقويم فقط، التقويم جُزء مما يُستعان به، لكن وحده ما يكفي، التقويم وحده ما يكفي، والنشرة التي فيها مواقيت الأذان وحدها ما تكفي، فيجمع بين هذه النشرة وبين التقويم وبين اتصال بأُناس لهم خبرة، وهم مثلاً كأصحاب القرى ومن على الساحل، إنسان يكون عنده شخص شخصان يُتابع معه غروب الشمس، يُتابع معه طلوع الفجر الصادق، لكن أنت تحتاط إذا قال ”الله أكبر“ في أذان الفجر الثاني، الذي في الفم أخْرِجهُ، الذي في فَمِكَ أخْرِجه، من ماء أو من طعام، بل لو أنك تحتاط فهو خيرٌ لك، قبل الأذان بدقيقة مثلاً، بدقيقتين، خيرٌ لك، تكون قد انتهيت من السحور ومن شرب الماء، ورأيت أن هذا يكفيك الذي معك، وبقيَ لحظات على الأذان، تقوم وتستعمل السواك تستاك، تُنظف فَمك،َ وما يزال المؤذن ما قد أذَّن، هذا الوقت تحتاطه لدينك، دقيقتين، ثلاث دقائق، أربع دقائق، خلاص ترى أن الذي عندك يكفيك من الطعام والشراب، هنا تأخذ بالنية، تدخل في نية الامساك، لأنه لا بُد من نية تفصل بها بين زمن الحِل وزمن الحُرمة، بعض الناس يدخل عليه وقت الامساك وهو ما قد أتى بالنية، هذا غلط، هذا ما يجوز، وإذا قال أنا نيَّتي من أول الليل، نقول نعم نيَّتك من أول الليل، وأنت تأكل وتشرب في ليلك، فتلك النية نية صيام غدٍ في أي وقت من الليل، ولا يصِّح الصيام إلا بها، نية في القلب بدون تلفُّظ، لكن يبقى عليك نية الامساك، نية الدخول في العبادة، متى دخلت في العبادة، فتحاول تأتي بنيَّة ثانية، نية أخلص من التي قبلها، أخلص منها، وقد نبهنا الأخوة في الجمعة الماضية على أن الصائم يحتاج إلى أربع نيَّات، الصائم في صوم الواجب (صوم رمضان) أداءً أو قضاءً أو صوم النذر أو صوم الكفارة يحتاج إلى أربع نيَّات:
(1) نية عامة ولو من شعبان.
(2) ونية خاصة لكل يوم من الليل الذي قبله، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا صيام لمن لم يُبيتهُ بليل)، النية تكون من الليل، أنك غداً إن شاء الله صائم، هذا لكل يوم، لا بُدَّ من هذا وإلا فصومك باطل، يكون لك نافلة ما يكون لك فريضة، والفريضة باقي في ذمتك لا بُد تقضيه، اليوم الذي أنت لم تستحضر النية له من الليل تُمسك هذا اليوم وتقضي يوماً آخر؛ لأن النية شرط في صحة الصيام، لا يَصِح الصيام إلا بها.
(3) يبقى عليك النية الثالثة وهي نية الامساك، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا صيام لمن لم يجمعهُ قبل الفجر) هذا الحديث موجود في بلوغ المرام لابن حجر -رحمة الله عليه-، علَّق عليه الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- قال: ”هذه النية نية الامساك لمن لم يجمعه قبل الفجر“ نية الامساك أنك الآن انتهيت من الطعام والشراب، وأنك الآن داخل في الامساك في الصيام، فلا بُد من هذا.
(4) والنية الرابعة الاستمرار على الصيام في نهارِك إلى غروب الشمس، لأنَّ من عزم على أن يُفطر في أثناء النهار ثم لم يفعل، هذا اليوم صومه بَطُل، لأنه قطع النية التي كان يجب عليه أن يواصلها إلى غروب الشمس، فيُمسك بقية يومه ويقضي يوماً آخر؛ لأنه قطع النية، والله الموفق.
أما بالنسبة للحديث: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) حَمَلَهُ أهل العلم على أن هذا النداء كان قبل دخول الفجر الصادق، المؤذن تقدَّم بدقائق، قال ما دام أن المؤذن لم ينضبط في موعد أذانهِ لا تضع هذا الإناء حتى تقضي حاجتك منه، يعني معناه أنه شراب، ما هو طعام حار، شراب سريع، هذا إذا كان الأذان قبل دخول الوقت، أما إذا كان الأذان مع الوقت فهذا الحديث يتمشَّى مع الحديث الثاني: (فكلوا واشربوا حتى يؤذن) أي ابن أم مكتوم، ويتمشَّى مع الآية: «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ»، إذا كان المؤذن ما أذَّن إلا عند أن تبيَّن له الخيط الأبيض من الخيط الأسود فإذاً أمسِك، والخيط الأبيض هو شعاع الفجر، والأسود هو ظلام الليل.
وبالله التوفيق